حاله في بيته وعيشه صلى الله عليه وسلم:
عن الأسود قال: سئلت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: (كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج للصلاة)(1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم) رواه أحمد وقال العراقي: رجاله رجال الصحيح.
وعن عمرة: قيل لعائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته قالت: (كان بشراً من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته، ويخدم نفسه)(2).
هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم في بيته، فهو خلف الغرف والجدران لا يراه أحد من البشر وهو مع مملوكه أو خادمه أو زوجته يتصرف على السجية دون رتوش ولا مجاملات، وهو السيد الآمر الناهي في هذا البيت، وكل من تحت يده ضعفاء.
هكذا كان رسول هذه الأمة وقائدها ومعلمها صلى الله عليه وسلم في بيته مع هذه المنزلة العظيمة والدرجة الرفيعة، إنه نموذج للتواضع وعدم الكبر وتكليف الغير والاعتماد على النفس، إنه شريف المشاركة ونبيل الإعانة، وصفوة ولد آدم يقوم بكل ذلك)(3).
وهو مع كل ذلك لا يجد ما يملأ بطنه صلى الله عليه وسلم قال النعمان بن بشير -رضي الله عنه- وهو يذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي وما يجد من الدقل – رديء التمر – ما يملأ بطنه) رواه مسلم.
وعن عائشة - رضي الله عنها- قالت: (إن كنا آل محمد نمكث شهراً ما نستوقد بنار إن هو إلا التمر والماء) رواه البخاري.
وروى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: (ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض).
وروى أيضاً عنها أنها قالت لعروة: (ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقلت: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم فيسقيناه).
وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها: (ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز وزيت في يوم واحد مرتين).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير في اليوم الواحد غداء وعشاء) رواه مسلم.
وروى الترمذي عن ابن عباس: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة وأهله طاوين لا يجدون عشاء) هكذا كان يختار صلى الله عليه وسلم ذلك لنفسه مع إمكان حصول التوسع في الدنيا له، وكان يدعو: (اللهم أرزق آل محمد قوتاً) رواه البخاري.
وفي رواية: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً).
قال ابن بطال: (فيه دليل على فضل الكفاف وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك رغبة في توفر نعيم الآخرة وإيثاراً لما يبقى على ما يفنى، فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك).
وقال القرطبي: (معنى الحديث: أنه طلب الكفاف، فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة، وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعاً)(4).
(1) رواه مسلم.
(2) صحيح الأدب المفرد ح (419).
(3) يوم في بيت الرسول (25).
(4) فتح الباري (11/293).